السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أهبط منها ، وفيه تقوم الساعة ،
وفيه ساعة لا يرافقها مسلم يصلي يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه ، وقال بيده يقللها ، فقال عبد الله بن سلام : قد علمت آية ساعة هي ، هي آخر ساعات يوم الجمعة ، هي الساعة التي خلق الله فيها آدم ،
صحيح عن أبي هريرة كتاب شرح السنه للبغوي
وفي سنن الترمذي روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه يرحمك الله يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس
فقل السلام عليكم قالوا وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه قال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم
فقال الله له ويداه مقبوضتان اختر أيهما شئت قال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة
ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال أي رب ما هؤلاء فقال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه
فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمر أربعين سنة
قال يا رب زده في عمره قال ذاك الذي كتب له قال أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة
قال أنت وذاك قال ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت
فقال له آدم قد عجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود
.
أبو هريرة حسن غريب سنن الترمذي
وفي صحيح الجامع من حديث أنس بن مالك
لما نفخ في آدم الروح مارت و طارت ، فصارت في رأسه ، فعطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال الله : يرحمك الله
وعن سبب وجود إبليس عليه اللعنة في جمع الملائكة عند ذلك و من تفسير الطبري وهو ما أدين به
لله عز وجل
قال :
وحدثني علي بن الحسين، قال: حدثني أبو نصر أحمد بن محمد الخلال، قال: حدثني سنيد بن داود، قال حدثنا هشيم، قال أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى،
عن موسى بن نُمير، وعثمان بن سعيد بن كامل، عن سعد بن مسعود، قال:
كانت الملائكة تقاتل الجنّ، فسُبِي إبليس وكان صغيرًا، فكان مع الملائكة فتعبَّد معها،
فلما أمِروا بالسجود لآدم سجدوا. فأبى إبليس. فلذلك قال الله:"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
وقول الله عز وجل
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) }
يقول تعالى ذكره: فلما خلق الله ذلك البشر ، ونفخ فيه الروح بعد أن سوّاه، سجد الملائكة كلهم جميعا ، إلا إبليس، فإنه أبى أن يكون مع الساجدين في سجودهم لآدم حين سجدوا،
فلم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا ، فقال الله تعالى ذكره( يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ )
وفي البداية والنهايه :
أن إبليس إستلزم تنقصه لآدم وازدراؤه به وترفعه عليه مخالفة الامر الآلهي،
ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا - وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة الإسراء
(قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65))
وقال في سورة الكهف
(واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)
أي خرج عن طاعة الله عمدا وعنادا واستكبارا عن امتثال أمره وما ذاك إلا لانه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها فانه مخلوق من نار كما قال وكما قدرنا
وتزيد حدة التحدي والتكبر والقياس في إبليس عليه اللعنه لآدم ومن بعده لذريته ويقف أمام رب العزة سبحانه وتعالي مصرا علي معصيته
وذلك فيما قصه رب العزة سبحانه وتعالي
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)
قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
وقوله تعالى لابليس (اهبط منها) و (اخرج منها) دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها
بعبادته وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه فأهبط إلى الارض مذؤما مدحورا.
وحكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا
اخرج ابليس من الجنة وأسكن آدم الجنة فكان يمشي فيها مستوحشا ليس له فيها زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة.
خلقها الله من ضلعه.
فسألها من أنت قالت: امرأة.
قال: ولما خلقت ؟ قالت: لتسكن إلي ققالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه (ما اسمها يا آدم) قال: حواء قالوا: ولم كانت حواء ؟ قال لانها خلقت من شئ حي.
وذلك قوله تعالي (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)
وفي الصحيحين :
من حديث زائدة عن ميسرة الاشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" استوصوا بالنساء خيرا - فان المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا "
لفظ البخاري.
وأباح الله لآدم وزوجه الجنة بكاملها إلا شجرة واحده وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها * ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.
وهنا حكي المفسرون كلاما كثيرا عن بداية المكائد من إبليس عليه اللعنة لأبينا آدم وأمنا حواء
بعد أن طُرد الأول من الجنة . وعن كيف وسوس لهما مما لا طائل منه وما عندنا به كلام صحيح .
وقد توعد أمام رب العزة سبحانه وتعالي وبعد أن أمهله الله إلي يوم يبعثون كما طلب قائلا :
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)
فبدء عليه اللعنة في أول مكيدة للبشر يمارس عداوته لآدم ومن بعده لذريته
فقال تعالي :
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا }
بهذه الجملة أيضا من كلام رب العزة سبحانه وتعالي :
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21))،
فنسي آدم عليه السلام نهي الله له بأن لا يأكل من هذه الشجرة بعد أن أقسم إبليس له .
ظنا من آدم عليه السلام أنه لن يقسم أحد بالله كاذبا .
فقال تعالي يصف هذا الحال قائلا :
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
فكان ابتلائه إياه بما امتحنه به من طاعته، وذكر ركوب آدم معصية ربه بعد الذي كان أعطاه من كرامته وشريف المنزلة عنده،
ومكنه في جنته من رغد العيش وهنيئه، وما أزال ذلك عنه، فصار من نعيم الجنة ولذيذ رغد العيش
إلى نكد عيش أهل الأرض وعلاج الحرائة والعمل بالمساحي والزراعة فيها.،.
وهذا بحث طيب في هذه اللحظه من حياة أبو البشر نبي الله آدم عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام .
لا تعارض بين قضاء الله تعالى بخلق آدم عليه السلام لخلافة الأرض ، وبين قضائه عز وجل قصة الشجرة والإغواء ،
فقد كانت حادثة أكله عليه السلام من الشجرة ونزوله إلى الأرض بعدها سببا مباشرا لتحقيق القضاء الأول بخلق آدم عليه السلام لعبادة الله وخلافة الأرض
في طاعة الله تعالى ؛ فإن الله تعالى إذا قضى الشيء ، قضى له أسبابه الموصلة إليه ؛ فلا تعارض بين القضاء السابق ، وبين الأسباب الحسية أو الشرعية .
وقد كان لهذا السبب – قصة الأكل من الشجرة – حكم عظيمة جليلة الله أعلم بها ، ولكن يمكننا تلمس بعضها فيما يبدو لنا ، فمن ذلك :
1-بداية التكليف : وذلك حين نهى الله عز وجل آدم عليه السلام من الأكل من الشجرة ، فابتدأ التكليف من حينئذ ،
ليكون ذلك مقدمة للتكليف الذي يريده الله لبني البشر كلهم من خلال الشرائع التي أرسل الرسل بها .
2- معرفة العدو الحقيقي : الذي هو الشيطان الرجيم ، فقد كان سببا في خسارة نعيم الجنة لبني البشر في الدنيا ،
وتأجيل ذلك للمؤمنين منهم إلى الآخرة ، فإذا رأى بنو آدم ما بلغه الشيطان بأبيهم عليه السلام بسبب أكلة واحدة من الشجرة ،
أدركوا أن ذلك هو عدوهم الذي يستحق العداوة ، وأن الله تعالى هو وليهم الذي يستحق الطاعة والعبادة .
قال الله تعالى :
( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) سورة يس
، وقال تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/6 .
3- تقرير مفهوم التوبة : ففي مسارعة آدم عليه السلام إلى التوبة والإنابة والاستغفار تعليم لجميع بني البشر بما ينبغي أن يكونوا عليه
إذا زلوا أثناء ممارستهم خلافة الأرض ، فباب التوبة مفتوح ، والله سبحانه وتعالى يحب من عباده إذا أذنبوا أن يستغفروا ويتوبوا ،
ولولا قصة الشجرة والغواية لما استقر مفهوم التوبة في قلوب البشر تقررا تاما .
يقول القرطبي رحمه الله:
" لم يكن إخراج الله تعالى آدمَ من الجنة وإهباطه منها عقوبة له ؛ لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقبل توبته ,
وإنما أهبطه إما تأديباً , وإما تغليظاً للمحنة .
والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك , وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويترتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي ,
إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف , فكانت تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة ، ولله أن يفعل ما يشاء ,
وقد قال : (إني جاعل في الأرض خليفة)، وهذه منقبة عظيمة , وفضيلة كريمة شريفة ,
وقد تقدمت الإشارة إليها مع أنه خلق من الأرض ، وإنما أهبطه بعد أن تاب
عليه ، لقوله ثانية : ( وقلنا اهبطوا ) " .
هذا والله وتعالي اعلم
وإلي لقاء آخر إن شاء الله .