قال
تعالى: "وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا
وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء
لِّلسَّائِلِينَ" (فصلت10), وقال تعالى: "وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ
رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا
لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" (الأنبياء31), وقال تعالى: "وَأَلْقَى فِي
الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً
لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (النحل15), وقال تعالى: "أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ مِهَادًا" (النبأ7), وقال تعالى: "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى
الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى
الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"
(الغاشية17-20).
الدلالة العلمية:
ليست الجبال التي نراها اليوم
أبدية الوجود وإنما لها عمر وإن طال محدود, ويمكن التصور بأن قشرة الأرض في
مهدها كانت قطعا تميد وتضطرب فوق دوامات الصهير، ومع امتدادها أفقيا تلاقت
لتكون قارة أولية انفصلت لاحقا إلى قطع متجاورات وتكونت القارات, ومع
إلقاء الحمم من البراكين الأولية امتدت الكتل الطافية رأسيا ونشأت الجبال
الأولية مما أحدث توازن القطع الطافية ومنعها أن تميد.
التوافق مع العلوم الحديثة:
قد
تنشأ جبال وتنصب من جراء تصادم قارة بأخرى مجاورة، ومن الأمثلة الجيولوجية
المعروفة نشأة جبال الهيمالايا, فقد كانت الهند واقعة على الحافة الجنوبية
لبحر قديم لا وجود له اليوم بينما كانت التبت تقع عند الحافة الشمالية
لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة, وقطعت الهند مسافة
حوالي 1500 كم أثناء زحزحتها شمالا باتجاه قارة آسيا إلى أن أتى وقت اختفى
فيه البحر وجاءت لحظة التصادم المحتومة فعلت الهند وحينئذ نصبت أعلى جبال
في الأرض وهي جبال الهيمالايا.
وتعلو قمة جبال الهيمالايا ثمانية كيلو
مترات ونيف عن سطح البحر, وقد أثبت المسح الجيولوجي أن جبال الهيمالايا
تمتد عميقا لمسافة قد تزيد عن 65 كيلو متر, وهكذا يكون الجزء المختفي من
الجبال تحت السطح يعادل أضعاف الجزء البارز فوق السطح, وهذا الامتداد في
الأرض المماثل لامتداد الوتد لم يعرفه بشر عند نزول القرآن الكريم بالقطع،
ناهيك عن التماثل في الوظيفة كذلك, لان الوتد يقوم بتثبيت الخيمة وكذلك
تقوم جذور الجبل بحفظ ثبات الكتلة الطافية فوق طبقة الدثار الملتهب للأرض.
مدهش
هذا التوازن Isostacy الذي أبدعه الخالق سبحانه وتعالى في الأرض؛ حيث جعل
الغلاف الصخري يطفو بنفس قانون الطفو للبواخر فوق غلافه اللدن الملتهب,
وترسو أو تطفو القارات وقيعان البحار على وشاح الأرض كما يطفو جبل الجليد
فوق الماء, و تضرب القارات جذورها في وشاح الأرض, ويلاحظ أن الجذور أسفل
سلاسل الجبال أكثر عمقا من الجذور تحت المناطق المستوية, هذا ما اكتشفه
العلم , ولكن القرآن الكريم سجل ذلك قبل العلم بأكثر من ألف سنة حيث يقول
الحق سبحانه "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا", وبالتأكيد إن التعبير الوصفي
"أوتادا" لا يعدله في الدقة شيء, ولم يغب عن فطنة المفسرين أن يسجلوا وجه
الشبه في قوله تعالى "وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً" ففهموا أنه في التثبيت,
وقالوا جعل للأرض أوتاداً بمعنى أرساها وثبتها وجعلها تقر وتسكن ولا تميد,
وإنما استمدوا تلك المعرفة من دلالة الكتاب الكريم, ولا يمكن أن تلتقي تلك
المعرفة الحديثة مع فيض الدلالات العلمية في حديث القرآن عن تاريخ الجبال
ووصف تكونها إلا أن يكون هو الوحي من عند الله العليم وحده تعالى بكل
الأسرار.