إياكم وسوء الظن
يقول الله تعالى في كتابه الكريم)
ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم)
والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)
سوء الظن بلاء لا يكاد يسلم منه إلا من رحم الله تعالى.فهو يجعل صاحبه ينظر إلى الناس على أنهم لا حسنة لهم, ويتعمد إبراز سيئاتهم وتضخيمها, كما أنه يدفع صاحبه إلى عدم التماس الأعذار للناس, بل التفتيش عن العيوب وتصيد الأخطاء, فيلصق بهم العيوب وينسب إليهم الاتهامات , وربما استبد به سوء ظنه فانتهى به إلى حد رميهم بالكفر.
يطلب الإسلام من أتباعه أن يحسنوا الظن, وأرجى ما يكون حسن من المسلم لربه, كما جاء في الحديث القدسي((أنا عند ظن عبدي بي)
اما حسن الظن بالناس فإن صاحبه لا ينظر إلى الناس نظرة حقد ولا كراهية, لأنه يفترض الخير ويتوقع الإحسان منهم وان بدا منهم ما يحتمل السوء , فهو يغلب احتمال الخير, وإن كان ضعيفا, على مظنة السوء وان كانت قوية.
ذلك هو الواجب الشرعي وعليه تبنى أحكام كثيرة في الدنيا الناس وشرع الله تعالى الذي لا يحكم إلا بدليل.
فصاحب حسن الظن بالناس ينظر إليهم من خلال حسن تأويل مقاصدهم وأعمالهم, ويستديم على عشرتهم, ويستبقي مودتهم للدنيا والأخرة, وهو الذي عناه الأثر بقوله:من عامل الناس فلم يظلمهم, وحدثهم فلم يكذبهم, ووعدهم فلم يخلفهم, فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته.
ذلك الدي يكتم أسرارهم ويعفو عن هفواتهم ويغفر لهم ويقيل عثراتهم ويصفح عن إساءاتهم, ويأسى لجراحاتهم, ويسعى إلى قضاء حوائجهم ويغض الطرف عن عوراتهم . فهو فيهم كنور الشمس يكفله الله بعنايته ويستحفظه ملائكته ويجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما وفي العسر يسرا وفي الشدة رخاء
آثار وعواقب سوء الظن
سوء الظن له من العواقب ما يمحو كل بركات المجتمع.
فأولى عواقبه, الأثرة التي هي آفة الإنسانية وغول فضائلها, التي اذا سيطرت على احد محقت خيره ونمت شره وحصرته في نطاق ضيق لا يعرف فيه شخصه.
ومن آثار سوء الظن الضارة, ترك التناصر بينه وبين إخوانه, مع أن أخوة الدين تفرض التناصر بين المسلمين, لأن خدلان المسلم شيئ عظيم وهو ذريعة لخدلان المسلمين جميعا لأنه يقطع عرى الأخوة في ما بينهم.
وسوء الظن من الرذائل التي حذّر منها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهي رذائل تصدع القلوب وتجفف عواطف الود فيها, لأنه يدعو صاحبه إلى الاستكبار واللإفتخار على الأخرين, وهم اخوانه المسلمون, حيت لا مجال ولا مكان للإفتخار على قوم يعلمون أن الكرامة لا تكون إلا بالتقوى, وأن التقوى محلها القلوب, والقلوب إلى الله ما يدري سرها أحد.
ومن عواقب سوء الظن التجسس والتحسس على الأخرين, والتنافس والتحاسد والتباغض والتدابر وكل ذلك منهي عنه شرعا, يقول الله تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)
ومن عواقب سوء الظن تتبع أخطاء الآخرين وفضحهم. وفي الحديث الشريف قوله(صلى الله عليه وسلم)يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل اللإيمان قلبه لا تتبعوا عورات الناس, فإن من اتبع عورات الناس اتبع الله عوراته, ومن اتبع الله عوراته فضحه حتى في جوف رحله.
ومن عواقب سوء الظن أنه يجعل صاحبه ضمن الفسّاق الذين لا تقبل منهم أنباء ولا أخبار, كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
وسبب نزول هذه الآية, حين أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الوليد بن عقبة ليجمع الصدقات من بني المصطلق, وكان بينه وبينهم إحن من الجاهلية, فلما خرجوا إليه ليستقبلوه ظن بهم أنهم خرجوا لقتاله, فعاد وأخبر النبي(صلى الله عليه وسلم) بأنهم قد ارتدوا ومنعوا زكاتهم, فأرسل النبي(صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد فوجدوهم مسلمين وقد جمعوا أصدقاءهم, فعاد وأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بما رأى منهم, فأنزل الله تعالى هذه الآية , لتحذرنا من نبأ الفاسق الذي بنى خبره على سوء ظنه.
وقانا الله سوء الظن وعواقبه . والله الهادي إلى سواء السبيل